منهج-تجديد الفقه-في-ضوء-القرآن-الكريم
|

تقارير: منهج تجديد الفقه في ضوء مقاصد القرآن الكريم

هل يحتاج الفقه إلى تجديد؟ وهل يعني هذا التجديد التنصل من التراث الفقهي أو انتقاده؟ هل الحديث عن تجديد الفقه في ضوء مقاصد الوحي يعني أن الفقهاء السابقين وضعوا فقها بعيدا عن مقاصد القرآن الكريم؟ وهل المطلوب تجديد الفقه أم تجديد الأصول؟ وهل الإشكال في الفقه أم في الفقيه؟ هل التراث الفقهي اجتهاد لزمان مضى واليوم نحتاج لاجتهاد جديد؟ وإن كان نعم، فما هي صورة هذا الاجتهاد المعاصر؟

أسئلة مثيرة للأذهان طرحها أ.د.خالد حنفي، عميد كلية العلوم الإنسانية بألمانيا، تقديمًا لمحاضرة “منهج تجديد الفقه في ضوء مقاصد القرآن الكريم” التي نظمتها الكلية في 4 جماد الثاني 1442 الموافق 17 يناير 2021 وألقاها الأستاذ الدكتور جاسر عودة، رئيس معهد المقاصد.

عرَّف د.عودة الفقه ابتداءً على أنه فهم عميق مستوعب للدين والعلم والآيات والأهلية للمشورة والقيادة والاجتهاد قائلًا إن معاني الوحي من كتاب وسنة يجب أن تهيمن على التصورات الإسلامية وأن الفقه هو علم بسنن الله وعلم بالكون كما هو علم بالوحي، وعليه فإن المقصود من تجديد الفقه في الوقت المعاصر هو قضايا العمران في الغالب لا الشعائر فأغلب الفقه يتعامل مع الواقع المتغير لا الثوابت.

وقال: “إذا نزعنا الوحي من مكانه المركزي فلن ننتج فقهًا سليمًا، وذلك لأن الوحي هو المرجع الذي نحكم به على التراث الإسلامي والفكر الإسلامي المعاصر كما نحكم به على الفكر البشري العام القانوني والعلمي والفلسفي وغيره”.

طرح د.عودة عدة أسئلة في محاضرته:

الأول: سؤال التاريخ “متى حدث الانحراف”

والذي به ضاق مفهوم الفقه الواسع الذي كان عليه الصحابة والتابعين رضوان عليهم ممن حملوا رسالة الدين الشاملة وبنوا على أساسها الحضارة الإسلامية إلى أن صار تصورًا علمانيًا ينحصر في القانون أو الأخلاقيات كما هو الحال الآن. وذكر، في هذا الصدد، الإمامين أبو حنيفة وجعفر الصادق وتلاميذهم ممن قادوا نهضة إسلامية من خلال الفقه عبر النظر في مجالات علمية مختلفة من رياضيات وكيمياء وغيرها.

وقال د.عودة إن الفقه في عصور ضعف المسلمين انحصر في مدارس أو مذاهب معينة انقسمت لاحقًا إلى فرق وتيارات سياسية تتصارع وتتنافس انقسمت بسببها الأمة

وضرب د.عودة مثالًا بفقه الطب قائلًا إن الفقه فيه لا يقتصر على كشف العورات واستخدام مواد علاجية مصدرها الخنزير، لكنه يشمل المنظومة الطبية في حد ذاتها وارتباطها بالاقتصاد. وأشار إلى أن الحضارة الإسلامية لم تُعرِّف الطب كمنظومة اقتصادية بل كمنظومة وقفية منذ عهد النبي.

الثاني: سؤال التجديد وهو “الإشكالات المنهجية المعاصرة”

وعدد د.عودة أربع إشكاليات تكمن في النظر للفقه بشكل يقصره على معاملات فردية لا تصل به إلى العلوم في أصولها، والقبول بمنظومات ومباني مصدرها فلسفات مادية أو وضعية قد تتناقض مع الإسلام في كثير من أصولها، والتعامل القاصر حاليًا مع الفقه بينما كانت عظمة التراث الإسلامي نتاج تعامل الفقهاء بالمعنى الشامل مع واقعهم السياسي والاقتصادي وفي المعاملات من خلال فهمهم لأصول الإسلام من قرآن وسنة، وأخيرًا المزاوجة بين الوحي ومصادر معرفية أخرى في القضية محل البحث وذلك في محاولة للجمع بينهما مما قد ينتج عنه تناقض أخلاقي.

الثالث: سؤال المنهج وهو “كيف نصل إلى ذلك الفقه”

عن طريق الخماسية المنهجية التي تبدأ بتحديد القصد البحثي الذي يحدد بدوره السؤال البحثي. ولفت د.عودة إلى أن البداية ينبغي أن تكون من القصد البحثي لا من المشكلة البحثية فالبحث من خلال المشكلة قد يعرف المشكلة تعريفًا دخيلًا على الإسلام بمفاهيمه وسننه وقيمه. يلي ذلك دورات التدبر في الوحي من قرآن وسنة، ثم بناء التصور المركب (وهو السباعية التصورية: المقاصد – المفاهيم – الفئات – السنن – القيم – الحجج – الأوامر)، ثم إقامة حوار نقدي مع المقاربات النظرية والواقعية، وأخيرًا توليد النظريات والمبادئ الحاكمة.

الرابع: سؤال التصور ضمن المنهج وهو “كيف نفهم الواقع الذي يتناوله الفقه”

الحاجة لإعادة تصور مجالات الدراسات الإسلامية عبر الدراسات المنهجية التأصيلية، ودراسة الظواهر المعاصرة من أصول وتخصصات وظواهر وتخطيط مؤسسي، وأخيرًا الدراسات التخصصية النقدية.

الخامس: سؤال البحث والتعليم والتفعيل وهو “ما علاقة الفقه بالعلوم المعاصرة”

أشار د.عودة إن المراد هو تعميم هذا الفقه على كافة تخصصات الحياة، لكن هذا يحتاج إلى متخصصين في هذه المجالات وهذه إشكالية في نظم التعليم الحالية التي لا تؤهل الفقيه متعدد التخصصات فضلا عن الفقيه متعدي التخصصات. على إثر ذلك، يظل الفقيه قيد الدراسات التأصيلية، وغالبًا يكون المتخصص ضعيفًا في المصادر الشرعية وممتازًا في تخصصه. وقال: “لا يجب أن يكون هناك تعليم إسلامي يقتصر على التاريخ وتعليم دنيوي يركز على الواقع المعاصر، والأمر يحتاج إلى مجاهدة واجتهاد من الطلبة من كلا النوعين”. وأوضح أنه على المتخصص في علم ما أن يبدأ في التعامل مع الوحي تعاملًا مختلفًا عن طريق وضع سؤال بحثي أو قصد بحثي والعمل عليه.

يمكنكم مشاهدة المحاضرة كاملة على قناة المعهد على يوتيوب.

Share it on your