الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد،وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،وبعد..

 فإن الإسلام يواجه مشكلة كبيرة في فهمه وعرضه حيث الفهم الناقص وكونه مجرد طقوس وشعائر  ويعرض على الناس بنفس الفهم المشوه،والسبب هو القراءة الجزئية التبعيضية والتأويلات الفاسدة ،وهذا بدوره عطل وظيفته وتم إبعاده عن ممارسة دوره ورسالته.
لكن من فضل الله تعالى علينا  أنه حفظ للأمة وحيها من التحريف والتبديل فهو  الحاكم و المرجع والمهيمن والميزان الذي توزن فيه الأفكار والمعتقدات والآراء والمذاهب، فليقل في دين الله من شاء، ولكن كل يؤخذ منه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. 

 ولو جئنا لنفهم حقيقة الإسلام كما عرضها الوحي وجدنا الحقيقة ناصعة كالشمس في رابعة النهار و البدر ليلة التمام…. وهي(أن الإسلام نظام شامل لكل مناحي الحياة حيث الهيمنة والحاكمية والاستيعاب لكل الأزمنة والأمكنة وكل ما يستجد في العالم إلى قيام الساعة لما يحمله من خصائص وسمات حيث…. الربانية، والوسطية، والإنسانية، والعالمية، والخاتمية، والثبات، والمرونة والتطور، وقد شهد بذلك البعيد قبل القريب.

يقول المستشرق جول لابوم الفرنسي في كتابه: (محمد رسول الله) عن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان مهما بلغ التحضر والرقي: «لقد أكد الإسلام من الساعة الأولى لظهوره أنه دين صالح لكل زمان ومكان إذ هو دين الفطرة، والفطرة لا تختلف في إنسان عن آخر وهو لهذا صالح لكل درجة من درجات الحضارة. 

ويقول البروفيسور الإيطالي إنريكو إنساباتو في: (كتابه الإسلام وسياسة الخلفاء): «إذا كان الإسلام في شكله ثابتاً لا يتغير، فإنه مع ذلك يساير مقتضى الظروف ويستطيع أن يتطور معها دون أن يتضاءل مهما مرت عليه الأزمان، لذلك فهو محتفظ بحيويته ومرونته، ولا يجوز قط أن يهدم هذا الصرح العظيم من العلوم، ولا يجوز أن يغفل شأنه، أو تمسه يد بسوء، إنه أوجد للعالم أرسخ الشرائع ثابتاً، وإنها لشريعة تفوق الشرائع الأوربية في كثير من التفاصيل».

ولو استعرضنا هذا المفهوم وعرضناه على الوحي لوجدنا الأمر خلاف ما يراد له ويعرض، فالإسلام تناول العقيدة وقضاياها وعرضها الوحي بكل بساطة وسماحة ووضوح عقيدة مبرهنة توافق الفطرة والعقل يعرضها من خلال النظر والتفكر والتدبر في ملكوت السماء والأرض فنجد أول آية نزلت في الكتاب العزيز (اقرأ) وهي تدل الإنسان على طريق التعرف على خالقه عز وجل ووردت (اقرأ) مرتين الأولى تعني: النظر في الملكوت وأول ميادين النظر إلى النفس وتكوينها من العلقة، والثانية تعني: التدبر في الكتاب المسطور من خلال تفعيل التعلم والبحث،والجمع بين القراءتين يعني: إخراج الإنسان من ظلمة الإلحاد والشرك والجهل والأمية إلى نور التوحيد والإيمان، والمتدبر لكل آيات القرآن يجد كل آية من آياته تعرف الإنسان بخالقه ومعبوده فهو كتاب العقيدة الأول.

وضبط النظام الاقتصادي المعاملاتي بكل مشتملاته فوضع مجموعة من العقود والتصرفات العادلة التي تقوي اقتصاد الأمة وتنميه بطريقة لا ظلم فيها ولا إجحاف، ووضع الجانب الجزائي حيث نظم مجموعة من العقوبات للمخالفين لنظامه والمتعديين على حقوق الآخرين(النفس.. والعرض.. والمال)وذلك لضبط المجتمع ووقايته من الانحرافات والمخالفات، ونظم الجانب الحقوقي وجعل له نظاماً حيث القضاء العادل لرفع النزاع وحقق فيه العدالة و المساواة بين الجميع.

وبين علاقة الإنسان بحاكمه وعلاقة الحاكم برعيته ووضع منظومة من الحقوق والواجبات  فنظم أصول الحكم وشروطه وضوابطه وحقق الشورى بكل معانيها ومراميها، وبين حدود الطاعة بين الحاكم والمحكوم،وطلب الأخذ بكل طريق يحقق العدالة والحياة الكريمة للجميع،وجعل مهمة الحاكم وغاية وجوده: (حفظ الدين….. وإقامة الدنيا).

بل جاء الوحي فنظم علاقة الأمة مع باقي الأمم والمجتمعات الإنسانية فهو لا ينعزل عن العالم، فبين كيف تكون العلاقة وقت السلم والحرب والنزاعات،وما يسمى اليوم بـ(العلاقات الدولية)، ورفع لواء الإخاء الإنساني حيث التعارف والتعاون بين شعوب العالم لكي يحقق السلام والأمن للجميع.

والوحي بحر ذاخر بهذه النظم والمناهج حيث التكامل والشمول والتوازن بين مطالب الفرد والجماعة،والروح والجسد،والدنيا والآخرة،فلم  يترك شاردة ولا واردة إلا وبينها وفصلها كما قال أمير المؤمنين عمر  بن الخطاب رضي الله عنه لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى.

وهذا الشمول لم يكن مجرد نظريات بل واقع عملي فالحياة النبوية ترجمة لهذه التعاليم، فقد كان قرآنناً يمشي على الأرض…. فمن أراد أن يرى القرآن مترجم ترجمة عملية فليقرأ السيرة النبوية والحياة المحمدية العطرة فسيراه زوجاً لطيفاً حيث المودة والرحمة،وأباً رحيماً شفيقاً رقيقاً، ويجده نعم الصاحب والرفيق، والمعلم والمربي المخاطب للروح والعقل والقلب والنفس،يجده العابد الزاهد الذاكر والمجاهد المغوار الذي يدير الحروب بحنكة وذكاء كأحسن قائد حربي، يجده الرئيس المدبر  لشئون دولته وأمته القوي المدرك لكل ما يدار حوله ذو النظرة المستقبلية والتخطيط والتنظيم والإدارة….يميز عدوه من صديقه،يجد القوة في مواقفه لكن بغير عنف واللين في غير ضعف… شخصية كاملة متكاملة نعرف عنها أدق التفاصيل ما لم نعرفه عن باقي الأنبياء والرسل عليهم السلام من خلال أزواجه وأصحابه فهو المثل والأسوة والقدوة الكاملة. 

وجاءت الأمة من بعده فعاشت هذا الدين وأقامت حضارة لم تغب عنها الشمس حيث العلم والمعرفة والثقافة والقانون والفن والعمارة والقوة والنظام فكانت الأولى في كل شئ ….والسر أنها عاشت هذا الدين وطبقت كلام ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وهيمن  ذلك على فكرها وسلوكها في كل شئون حياتها،لأن هذا الدين لا يجني ثماره إلا من أحاطه من جميع جوانبه وجعله منهج حياة قولاً وعملاً فكراً وسلوكاً. 

والسؤال هنا لماذا تراجعت الأمة عن دورها وريادتها وضاعت هيبتها؟ الجواب أنها لم تأخذ الإسلام بقوة ولم تعش به ولم تحكمه في جميع شئونها ولم يهيمن على حياتها…. واليوم بسبب ضعفها خسر العالم وتدهور اجتماعياً …وقيمياً ….وحضارياً رغم الرقي التقني الذي وصل إليه إلا أنه ينهار إنسانياً وقيمياً والحضارة الغربية لم تحقق له شئ في هذا المجال حتى الآن، بل أضعفته وضيعته. 

 والحل لهذه الأزمة وطريق الخروج منها يكمن في العودة إلى النبع الصافي والمورد العذب (مركزية الوحي) فهماً وسلوكاً  علماً وعملاً  ليكون منهج حياة …عندها تحقق للأمة الريادة وتصبح أنموذجاً للعالم الحائر و الركبان الذي يأخذ بيده إلى بر الأمان لأنها تحمل وحي السماء ….روح العالم ….وسر بقائه واستدامته.  

 الدكتور:عماد عبدالله
 عضو بشبكة البحث المقاصدية

Share it on your

Start a Conversation:

Your email address will not be published. Required fields are marked *