الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد،وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،وبعد..

فإن الوحي هو المرجعية العليا للتعرف على الإسلام حيث الربانية  والعالمية والخاتمية والشمول والعموم والتكامل والتوازن والإنسانية والثبات والتطور والمرونة والعدل والحكمة والرحمة في كل تعاليمه وأحكامه وقيمه وآدابه.

والمقصود بالوحي (القرآن الكريم) كلام الله المنزل على قلب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم،بلسان عربي مبين،المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس،المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته. 

(السنة النبوية) و هي ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.  فهما يمثلان الوحي الإلهي،إلا أن القرآن الكريم رتبته أعلى: لكونه قطعي الثبوت من جهة الورود،والسنة منها المتواتر  قطعي الورود،والآحاد ظني الورود،لأن سنده لا يفيد القطع،كون القرآن لفظه ومعناه من الله تعالى والرسول تالي ومبلغ له،كون السنة لفظها من النبي  صلى الله عليه وسلم ومعناها من الله تعالى،كون القرآن متعبد بتلاوته،والسنة ليست كذلك.

ولا شك أن هناك مصادر أخرى تدور في فلكهما وتستقي من معينها وهو باب معلوم في (أصول الفقه)يسمى بباب الأدلة الشرعية،والحديث هنا عن أحكام الإسلام عآمة ومرجعيتها العليا الشاملة للدين كله: (عقيدة وعبادة وتشريعات ومعاملات وأخلاق وسلوك وتزكية وآداب كل ما يخص جوانب الدنيا والآخرة،أما باقي المصادر المتفق عليها والمختلف فيها بين الأصوليين فهي تخص (علم الفقه) بمعناه الخاص والذي يعتني بالأحكام الفرعية العملية،وهي في النهاية مصدرها الوحي وتدور في فلكه،ولا تثبت إلا من خلاله،وهذا بدوره يثبت كون الوحي هو المرجعية العليا والذي تنتهي إليه كل المصادر والعلوم والمعارف. 

والعلاقة بين(القرآن) و(السنة) هي علاقة تكامل وتلازم فلا تفهم السنة إلا بالقرآن،ولا يفهم القرآن إلا بالسنة ويبين الإمام الشافعي حقيقة هذه العلاقة فيقول: «فما قيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قيل. السمعاني1999قواطع الأدلة في الأصول (1 / 29) ويقول الإمام الشاطبي: «وأدلة القرآن تدل على أن كل ما جاء به الرسول وكل ما أمر به ونهى؛ فهو لاحق في الحكم بما جاء في القرآن. » (الموافقات1997 (4 / 322) ولذلك: «لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة؛لأنه إذا كان كلياً وفيه أمور جملية كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها؛ فلا محيص عن النظر في بيانه. (الموافقات1997(4 / 183) إذاً السنة النبوية هي البيان النظري والتطبيق العملي للقرآن فهو يضع القواعد وهي تفصلها،وخير دليل على ذلك تفصيلها (لأركان الإسلام) فما بالك بما دونها،فالقرآن هو الأصل والسنة شارحة وموضحة ومبينة ومفصلة ومظهرة لما فيه،وفي النهاية فكل ما في السنة يرجع إلى القرآن لكونه الحاكم والمهيمن والمقياس والميزان. 

إذاً العلاقة بينهما متينة وقوية وهما شئ واحد لصدورهما من مصدر واحد وهو الله الحكيم الخبير،ولا يمكن الفصل بينهما،والذين يدعون الاستغناء عن السنة المطهرة ويزعمون الاكتفاء بالقرآن هم بذلك خالفوا القرآن نفسه مخالفة صريحة وواضحة وعطلوا نصوصه وأحكامه وبطل مذهبهم وأتوا من حيث لم يحتسبوا حيث إن الله تعالى قرن بين طاعته وطاعة رسوله، فطاعة الله من طاعة الرسول وطاعة الرسول من طاعة الله تعالى فالرسول لا ينطق عن هوى ولا يأتي بشيء من عندية نفسه فالكل وحي يوحى والآيات في ذلك لا حصر لها،وهذا المسلك تكمن خطورته في أن تعطيل السنة يعني هدمها ،وهذا يعني هدم القرآن والدين كله،ولذلك توطيد العلاقة بين الوحيين والنورين مهم واعتبارهما شئ واحد ولا يفصل بينهما،هذا بدوره يقطع الطريق على القرآنيين و على من يجعلون القرآن عضين. 

 وقضية وضوح المرجعية حقيقة في غاية الأهمية خاصة في الواقع المعيش لكثرة المرجعيات والاتجاهات والمدارس الفكرية والخلط والتلبيس والتمييع فتحديد البصلة للأمة في غاية الأهمية  و لها أبعادها:  

البعد الأول: أنه لا مرجعية في التعرف على الإسلام إلا من خلالها حيث مركزية الوحي في الحياة والعلم والعمل والفكر والسلوك وهذا يورث الانضباط ويحقق الاستسلام والعبودية والاستخلاف لكون معين التلقي واحد وهذا المعين ثبت نجاحه وحقق أهدافه من قبل.البعد الأول: أنه لا مرجعية في التعرف على الإسلام إلا من خلالها حيث مركزية الوحي في الحياة والعلم والعمل والفكر والسلوك وهذا يورث الانضباط ويحقق الاستسلام والعبودية والاستخلاف لكون معين التلقي واحد وهذا المعين ثبت نجاحه وحقق أهدافه من قبل.

البعد الثاني: أن كل ما سوى الوحي  من معتقدات وأفكار  وتصورات وأقوال وأفعال يؤخذ منها ويرد عليها فهي اجتهاد بشري  ليس معصوم لكون العصمة والقداسة للوحي الإلهي. 

البعد الثالث: لزوم العمل والإحاطة بالوحي وتحكيمه في كل شئون الحياة وجوانبها والبعد عن القراءة التبعيضية والتعامل الجزئي مع الوحي فهو لا يوصل إلى الفهم الصحيح ولا يحقق المقصد منه وهو: التوحيد، والتزكية،والعمران،لكون الوحي وحدة بنائية  لا تناقض فيها ولا إنفصام،فلابد من أخذه كله والدخول فيه كافة وكونه منهج حياة يهيمن على كل التصورات والمبادئ والأعمال والأفكار والأحوال. 

البعد الرابع: كون القرآن حافظاً للسنة فلو فقدنا الإسناد في السنة مثلاً فالقرآن كفيل التنبه إليها فهو حافظ لها لاشتماله على المقاصد العليا الحاكمة ومهيمن عليها.

ولكي نتعامل مع المرجعية (الوحي) تعاملاً صحيحاً لابد من الوقوف على  بعض الضوابط: 

أولاً: ضوابط التعامل مع القرآن: (أ)مراعاة اللسان العربي فلا يفهم القرآن إلا طبقاً لقواعده من غير تكلف ولا تعسف. (ب)التدبر  في  آياته والغوص في معانيه. (ج)مراعاة الوحدة البنائية في التعامل مع القرآن. (د)الوقوف على مقاصده العليا الحاكمة. (ه)الجمع بين القرائتين(الكتاب المسطور والمنظور). 

ثانياً: ضوابط التعامل مع السنة: (أ)فهم السنة في ضوء مقاصد الشريعة فهي: تساعد على ربط الجزئيات بالكليات،وتعين على إدراك وأسرار مقصود الشرع منها،تساعد على إدراك مآلات الأفعال،تعمل على تحقيق المصالح ودرء المفاسد،تعالج قضية السطحية والحرفية في التعامل مع السنة النبوية. (ب)تلقيها عن رجال الحديث الثقات الراسخين في العلم. (ب)جمع الأحاديث الواردة في الباب الواحد. (ج)فهم السنة في ظلال مقاصد القرآن الكريم. (د)الغوص في معانيها ومراميها. (ه)فهم السنة في ضوء الأسباب والملابسات. (و)الجمع والترجيح بين مختلف الحديث. (ز)توثيق الأحاديث النبوية.

لا شك أن تفعيل هذه الضوابط يوصلنا إلى منهجية منضبطة وتعامل أمثل مع الوحي  بجناحيه القرآن والسنة بعيداً عن الإفراط والتفريط والغلو والتفلت ويعين على تحقيق مقاصد الوحي ومراميه.

 الدكتور:عماد عبدالله
 عضو بشبكة البحث المقاصدية

Share it on your

Start a Conversation:

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *